
بلادي اليوم :
في ستينيات القرن الماضي، وخلال فترة كان الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يحرص فيها على تعزيز تنمية مختلف جهات المملكة، طُرحت فكرة تشييد قصر ملكي في مدينة الناظور، ليكون رمزًا للحضور الملكي في منطقة الريف. هذه الفكرة، التي جاءت بمبادرة من السيد بنعلي المنصوري، نُوقشت مع جلالته، الذي استمع إليها باهتمام، لكن المشروع لم يُنفذ في النهاية بسبب معطيات خاصة احترمها الملك بكل حكمة وتبصّر.
خلال إحدى جلساته مع الحسن الثاني، اقترح السيد المنصوري إنشاء إقامة ملكية في الناظور، مبرزًا أهمية المدينة الاستراتيجية وموقعها الفريد. جلالته، بحكمته المعهودة، أوضح أن زياراته للريف لم تكن منتظمة، ما جعله يرى أن إقامة قصر هناك ليست من الأولويات في تلك الفترة. غير أن السيد المنصوري، بحرصه على خدمة بلاده وإيمانه بأهمية المشروع، أشار إلى أن أحد الملوك العلويين سبق أن شيّد قصرًا في الإقليم، وهو ما جعل جلالته يتفاعل بإيجابية مع الفكرة، طالبًا دراسة أبعادها بشكل دقيق.
في إطار البحث عن الموقع المناسب، تم اقتراح منطقة “الكدية”، وهي شبه جزيرة ساحرة داخل بحيرة مارتشيكا، تطل على البحر الأبيض المتوسط وعلى مدينة مليلية من جهة، وعلى الناظور من الجهة الأخرى. ولضمان دقة الاختيار، أوكل السيد المنصوري إلى الجنرال الراحل حسني بنسليمان، رحمه الله، مهمة توفير صور جوية للموقع، حيث عُرضت لاحقًا على جلالة الملك، الذي أبدى إعجابه بالمكان، لكنه شدّد على ضرورة القيام بدراسة ميدانية قبل اتخاذ القرار النهائي.
تم تكليف المهندس المعماري الفرنسي ميشال بانسو بزيارة الموقع، حيث رافقه السيد المنصوري في مهمة المعاينة. أبدى المهندس انبهاره بجمالية المكان وإمكاناته الاستثنائية كموقع لإقامة ملكية، لكن سرعان ما برزت عقبة لم تكن في الحسبان، إذ تبيّن أن الموقع يحتضن ضريحًا لولي صالح يحظى بمكانة روحية خاصة لدى الساكنة. وهنا تجلّت حكمة وحرص جلالة الملك على احترام الموروث الثقافي والديني للمغاربة، حيث قرّر بكل تبصّر عدم المساس بهذا المعلم، واضعًا الاعتبارات الروحية والتاريخية فوق أي مشروع عمراني.
وبذلك، توقف المشروع عند مرحلة الدراسة، في خطوة تعكس عمق احترام جلالة الملك للمقدسات الدينية وخصوصيات كل منطقة من مناطق المملكة، ليظل هذا القرار شاهدًا على الحكمة الملكية في التعامل مع مشاريع التنمية بما يراعي هوية الوطن وثقافته العريقة.