قرارات الداخلية تغيّر قواعد اللعبة… والناظور يستعد لإفراز خريطة سياسية جديدة

بلادي اليوم :

في خطوة سياسية اعتُبرت الأقوى خلال مناقشة مشاريع القوانين الانتخابية داخل البرلمان، وجّه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت رسائل مباشرة وواضحة للأحزاب المغربية، واضعاً خطوطاً حمراء أمام أي محاولة لفتح باب التمويل الحزبي أمام الشركات أو الجهات ذات المصالح الاقتصادية الكبرى. فحسب المعطيات الواردة في تقرير لجنة الداخلية والجماعات الترابية بمجلس النواب، أكد لفتيت أن الدولة ستظل المصدر الأساسي لتمويل الأحزاب، وأن الانفتاح على تمويل الأشخاص الاعتباريين قد يخلق شبهات تمس جوهر العملية الديمقراطية وتُضعف الثقة العامة.

هذا الموقف الحازم يعكس توجهاً واضحاً نحو حماية القرار السياسي من أي تأثير خارجي قد يوجّه البوصلة الحزبية بعيداً عن المصلحة العامة. فالدعم العمومي، كما شدد الوزير، يُمنح للأحزاب باعتبارها مؤسسات تؤدي وظيفة سياسية وطنية، لا لأنها في حاجة إلى موارد مالية إضافية من أطراف اقتصادية قد تحاول استثمار نفوذها داخل المشهد السياسي.

وفي سياق إعادة ترتيب البيت الداخلي، لم يتردد لفتيت في فتح أحد أكثر الملفات إلحاحاً، وهو وضعية الأحزاب التي غابت عن العملية السياسية لسنوات. وذكّر بأن عدداً من الديمقراطيات العالمية تلجأ إلى حل الأحزاب التي تتخلف عن خوض الانتخابات لثلاث دورات متتالية، في إشارة واضحة إلى ضرورة إنهاء حالة “الوجود الصوري” لبعض التنظيمات، والانتقال نحو مشهد حزبي أكثر حيوية وتمثيلية.

وفي مقابل رفض التمويل القادم من الشركات، حرص مشروع القانون الجديد على توسيع هامش الدعم الفردي، رافعاً سقفه إلى 800 ألف درهم، في محاولة لخلق توازن بين حاجيات الأحزاب المالية ومتطلبات الشفافية والرقابة، دون فتح الباب أمام تمويل ضخم قد يُشوّه المنافسة الانتخابية أو يُحوّل السياسة إلى مجال للاستثمار الخاص.

وفي خضم هذه التحولات، يبرز حضور السياسيين الجدد بالناظور الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة ومسؤولية في الوقت ذاته. فالإصلاحات التي تقودها وزارة الداخلية تمنح وجوهاً جديدة في الإقليم مجالاً واسعاً لإثبات مصداقيتها عبر خدمة المواطنين بعيداً عن الحسابات الضيقة أو شبكات النفوذ التقليدية. ويبدو أن جيلاً جديداً من المنتخبين بدأ يرسّخ حضوره في الناظور، معتمداً على القرب من الناس، والإنصات لمشاكلهم اليومية، والسعي إلى استعادة الثقة في المؤسسات عبر مبادرات ملموسة وبرامج تنموية قابلة للتنفيذ، في انسجام تام مع روح الإصلاح التي تؤكدها الدولة في علاقتها بالأحزاب.

وبهذا التوجه الجديد، تبدو وزارة الداخلية حريصة على إعادة ضبط قواعد اللعبة السياسية بما يضمن منافسة نزيهة واستقلالية القرار الحزبي، وبما يسمح لبروز قيادات محلية جديدة—خصوصاً في المناطق الحيوية مثل الناظور—قادرة على تحويل العمل السياسي إلى خدمة حقيقية للمواطنين، وليس إلى امتيازات أو تحالفات ظرفية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *